وُلد الحبيب بورقيبة بمدينة المنستير في 3 أوت 1903، وكان أصغر ثمانية إخوة وأخوات. تلقـّى تعليمه الثـانوي بالمعهد الصادقي و معهد كارنو بتونس، ثم توجه إلى باريس سنة 1924 بعد حصوله على الباكالوريا وانخرط في كلية الحقوق و العلوم السياسية وحصل على الإجازة سنة 1927، ثم عاد إلى تونس ليشتغل بالمحاماة. تزوج للمرة الأولى من الفرنسية ماتيلد لوران في نفس السنة 1927، و هي أم ابنه الوحيد الحبيب بورقيبة الابن، وتطلقا بعد 22 عاما من الزواج. تزوج للمرة الثانية من وسيلة بن عمار سنة 1962.

مرحلة الكفاح
إثر عودته إلى تونس سنة 1927 بدأ بورقيبة نشاطه السياسي بتحرير المقالات في الصحف الوطنية "صوت التونسي" و "العلم التونسي"، و أسّس سنة 1932 مع أصدقائه جريدة "العمل التونسي". التحق بالهيئة التنفيذية للحزب الحر الدستوري التونسي يوم 12 ماي 1933، ليستقيل منها يوم 9 سبتمبر من نفس السنة بعد أن كان محلّ انتقادات من قيادة الحزب لمشاركته في الوفد الذي احتجّ للباي على دفن أحد المجنّسين بمقبرة المسلمين.
وفي 2 مارس 1934، دعا بورقيبة و مجموعة من رفاقه المنسحبين إلى مؤتمر خارق للعادة بدار الحبيب عيّاد في قصر هلال، قرّروا فيه حلّ الهيئة التنفيذية و إحداث ديوان سياسي متكوّن من : الدكتور محمود الماطري رئيسا، الحبيب بورقيبة أمينا عامّا، البحري قيقة و الطاهر صفر و محمّد بورقيبة أعضاء مؤسّسين للحزب الحرّ الدستوري التونسي الجديد.
إثر تأسيس حزب الدستور الجديد، اشتد القمع الاستعماري و نُفي بورقيبة و رفاقه الى ڨبلّي ثم برج لبوف بالصحراء التونسية في ظروف قاسية. وتواصل الكفاح في المدن و القرى من أجل تحرير قيادات الحزب، إلى أن أطلق سراحهم مع وصول الجبهة الشعبية الى الحكم في فرنسا. و بعد وعود الحكومة الفرنسية و خيبة الأمل التي انجرت عنها، اشتدت لهجة الحزب مجدّدًا، و بلغت ذروتها في مؤتمر نهج التريبونال سنة 1937، ثم ّ حصل الصدام الدموي في أحداث 8 و 9 أفريل 1938. و مطاردة قيادات الحزب و اعتقال الزعيم و رفاقه بالسجن المدني، ثم السجن العسكري واتّهِموا بالتآمر على الدولة، ليتمّ نقلهم الى تبرسق ومن ثمّ إلى السجون الفرنسية.
و سُلِّم بورقيبة للسلطات الايطالية الفاشستية من قبل حكومة فيشي الموالية للمحور أثناء الحرب العالمية الثانية، و نُقل بورقيبة إلى روما أين كانت الحكومة الإيطالية تغازله ليساند قوّات المحور. إلّا أنّ بورقيبة اجتنب ذلك، لمعرفته طبيعة النظام الفاشستي و بشاعته و أطماع إيطاليا على تونس من جهة، و لتؤكده من انتصار قوّات الحلفاء من جهة أخرى. إلّا أنّ الحكومة الفرنسية طاردته من جديد بعد هزيمة المحور بتعلّة مساندته الموهومة لألمانيا النازية، ممّا جعل بورقيبة يلجأ إلى القاهرة عبر ليبيا سنة 1945. استغلّ بورقيبة فترة مكوثه بالشرق للتعريف بالقضية التونسية على الصعيد الدولي، فأسّس صحبة الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي مكتب المغرب العربي، ثمّ ذهب إلى الأمم المتحدة بنيويورك سنة 1946 لضمان الدعم الديبلوماسي للقضية التونسية.
عاد بورقيبة إلى تونس في سنة 1949 أين استأنف النضال السياسي بتونس ثم فرنسا، و ساند في سنة 1950 مشاركة صالح بن يوسف في حكومة محمّد شنيق للدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية حول "النقاط السبعة" التي طرحها بورقيبة. إلّا أنّ تجربة المفاوضات فشلت إثر مذكّرة شومان الشهيرة بتاريخ 15 ديسمبر 1951 التّي رفضها بورقيبة بشدّة لتندلع الثورة في 18 جانفي 1952.
اعتُقِل بورقيبة من جديد إثر اندلاع الثورة و تمّ نفيه إلى جزيرة جالطة لمدّة عامين, ثمّ إلى فرنسا. و بلغ القمع الاستعماري حدّا كبيرا من الشراسة، إذ سُجن عدد كبير من المناضلين و حوكِم على الكثيرين منهم بالاعدام، و اغتيل الزعيم فرحات حشاد في 5 ديسمبر 1952، و الزعيم الهادي شاكر في 13 سبتمبر 1953. و إثر وصول مانداس فرانس إلى الحكم في فرنسا سنة 1954 و إعلانه الشهير أمام الباي عن قبول فرنسا بمبدأ الاستقلال الداخلي، شُكّلت حكومة تونسية برئاسة الطاهر بن عمّار و بمشاركة ثلاثة وزراء دستوريين للتفاوض مع فرنسا بتنسيق مع بورقيبة. و أسفرت المفاوضات و الاجتماعات السريّة بين بورقيبة و مانداس فرانس إلى عودة المجاهد الأكبر إلى أرض الوطن في 1 جوان 1955 في يوم تاريخي، و توقيع اتفاقيّة الاستقلال الداخلي في 3 جوان 1955. ثمّ الاستقلال التامّ يوم 20 مارس 1956.

مرحلة بناء الدولة
انتُخب المجلس القومي التأسيسي يوم 8 أفريل 1956 و بورقيبة رئيسا له، قبل أن يتمّ تكليفه بتكوين و رئاسة الحكومة.
شرع الرئيس بورقيبة في القيام باصلاحات عميقة و ثوريّة في المجتمع التونسي، أهمّها تعميم التعليم و الصحّة، و اصدار مجلّة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت 1956 التي منعت تعدّد الزوجات، و أقرّت بالمساواة بين المرأة و الرجل أمام الطلاق. و إثر إلغاء المُلكية و إعلان الجمهورية برئاسة الحبيب بورقيبة يوم 25 جويلية 1957، انتُخب بورقيبة أوّل رئيس للجمهورية بعد المصادقة عن الدستور يوم 1 جوان 1959. و تواصلت معركة فرض السيادة التونسية في ظروف صعبة نظرا للحرب في الجزائر، ثم حرب بنزرت التي أدّت إلى جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي يوم 15 أكتوبر 1963. و أُصدر قانون تأميم الأراضي في 12 ماي 1964، 83 سنة يوما بيوم بعد توقيع معاهدة باردو (اتفاقية الحماية مع فرانسا سنة 1881).
عرفت فترة حكم بورقيبة تجارب اقتصادية مختلفة : التجربة التعاضدية في الستّينات بقيادة أحمد بن صالح انتهت بأزمة اقتصادية و سياسية، و التجربة الليبيراليّة مع حكومة الهادي نويرة في السبعينات. و شهدت فترة حكم بورقيبة هزّات مختلفة كمحاولة الانقلاب سنة 1962، و أحداث جانفي سنة 1978، و أحداث "الخبز" في جانفي سنة 1984. و كانت سلطة بورقيبة أبويّة أوتوقراطية و كان يرفض الديمقراطية و التعدّديّة السياسية، و يعتبرها نوعا من الترف لم يكن الشعب ناضجا لها بعد . و ازداد تسلّط بورقيبة مع تقدّمه في السّن و اسنده تنقيح الدستور سنة 1974 الرئاسة مدى الحياة. انتهى حكم بورڨيبة يوم 7 نوفمبر 1987 لمّا أقدم الوزير الأول زين العابدين بن علي على إزاحته بشهادة طبّية لانعدام قدراته العقلية و البدنية، ليُصبح بن علي رئيسا للجمهورية.

وفاته
توفي الحبيب بورڨيبة يوم 6 أفريل 2000 بمسقط رأسه المنستير أين قضّى آخر سنين حياته في عزلة. يوجد ضريح الزعيم في روضة آل بورقيبة بالمنستير. كُتب على بابه : "المجاهد الأكبر، باني تونس الجديدة، محرّر المرأة".

س. ب.